المرصد الكردي ــــــــــــــــ

بقلم : المهندس صلاح علمداري ــــــــ
حين تكتب عن عدوانية الدولة التركية ,عن خطابها الفوقي المتعجرف و عن أطماعها التوسعية …عن تاريخ مليء بالمجازر ارتكبتها هذه الدولة بحق الأرمن و الكلدو – اشور و العلويين, عن حربها المستمرة على الكرد على مدار قرن كامل , عن آلاف القرى المهجورة وملايين الكرد التائهين , المستتركين , في أحزمة الفقر حول المدن الكبيرة…عن قذارة دورها في الملف السوري , جرائمها بحق المدنيين, عن فظائعها في عفرين و باقي المناطق المحتلة … عن توغلها العسكري في اقليم كردستان و عملياتها الخاصة دون توقف , تدخلاتها في اليونان , قبرص ,القرم ,ناغورني كاراباخ..ليبيا ,الصومال و حتى اليمن و كشمير …. يخرج إليك – في كل مرة- بعض الكرد قبل الآخرين يواجهونك بسؤال تقليدي غير بريء مفاده : و ماذا عن نظام الأسد و ملالي طهران ؟.
لهذا السؤال المكرر – طبعاً- أكثر من معنى أولها اتهامٌ لكاتب منشور بالمحتوى أعلاه بالتغاضي عن ممارسات نظام دمشق و طهران تجاه الكرد و ثانيها غمز بالانجرار وراء تيار كردي متهم بشيطنة تركيا .أما غاية السؤال الأساسية فهي تحريف سهامك عن هدف اللحظة الحقيقي باتجاه آخر و دفاع مبطن عن تركيا .
لهؤلاء السادة نقول : النظامان السوري و الايراني مستبدان , أجرما بحق شعوبهم , النظامان يتنكران لحقوق الكرد يخصانهم بقرارات و قوانين عنصرية بغاية صهرهم في بوتقة القومية السائدة و هما مدانان كما أنهما ساقطان لا محالة. لكن ثمة فارق كبير جدا بين من يتنكر لحقوقك و من يسعى لفنائك, فالدولة التركية تسعى بكل جهدها و كامل منظومة حربها إلى إنهاء القضية الكردية برمتها و حتى الطعن بحقيقة الوجود التاريخي للكرد في المنطقة و عليها فإن معركة الكرد اليوم مع الدولة التركية هي معركة وجود و هي أولى من معركة الحقوق.
كسياسي مهتم بالشأن السوري لا بد أن تتابع خطابات و سلوكيات الدولة التركية , هذه التي باتت مستفزة , متعجرفة , ترفع من شأن التركي على ما عداه , تثير الكراهية و تنذر بولادة نسخة جديدة من النازية, عليك بتشريح دقيق للمنظومة الحاكمة حيث تتحالف العنصرية المقيتة المتمثلة بحزب الحركة القومية و أذرعها ( الدولة العميقة و الذئاب الرمادية …) المتورطين بالدم و الاغتيالات منذ نشوئها مع الإسلام السياسي المتمثل بحزب العدالة و التنمية و فروعه و أذرعه الممتدة من خلال ديتيب إلى الكثير من دول العالم , هذا (الاسلام السياسي) الذي تعرى ديدنه خلال السنوات الماضية و اتضح للقاصي و الداني بأنه أم الإرهاب و الإرهابيين و الرحم الذي أنجب تنظيم القاعدة سابقاً , داعش , النصرة و بقية شقيقاتها لاحقاً .
عليك أن تتوقف عند إعلان فرنسا لتواجد 650 ستمائة و خمسين تجمع و إطار مرتبط بالحكومة التركية على أراضيها و إماطة ألمانيا اللثام عن وجود 8000 ثمانية آلاف مجند سري يعملون لصالح الحكومة التركية من خلال البعثات الدبلوماسية و اعترافات مجموعة للشرطة النمساوية بأنها مكلفة بعمليات اغتيال لساسة و مسؤولين … و تتوقع آلافاً أخرى في دولٍ أخرى لنفس الهدف و الغاية و هي صناعة أتباع , تشكيل لوبيات , التأثير على توازنات… اختلاق مشاكل و أزمات و حتى القيام بعمليات إرهابية – إذا تطلب الأمر ذلك.
كسوري من الضروري أن تتوقف على تفاصيل السنوات العشر المنصرمة التي أفضت إلى دوامة عنف و مقتلة تبتلع العباد و العمار دون توقف , أن تعود إلى بدايات الحدث و كيفية تعاطي الجارة تركيا مع شأن سوري داخلي , كيف فتحت الحدود على مصراعيه , و كيف شكلت مجاميع مسلحة في كل قرية و حي في كل الشمال السوري , و مررت الارهابيين من دول شتى الى الداخل , سحبت الرساميل و الخبرات , سرقت المعامل و المدن الصناعية , شغلت ملايين السوريين بنصف الأجر و قبضت مليارات اليورو على أساس أن هذه الملايين تسكن مخيمات … باعت مناطق في حمص و الغوطة لإيران وتعاملت مع سكانها كسلعة حملتهم إلى أماكن أخرى , تركت حلب المدينة للنظام مقابل ريفها الشمالي , مهدت طريق الرقة و الجزيرة لداعش للاستثمار من خلالها في النفط و الموارد فكانت الحصيلة على الأرض السورية إراقة المزيد من الدماء و إطالة عمر الأزمة أكثر فأكثر. في الوقت الذي تستطيع فيه تركيا بمفردها انهاء الصراع المسلح خلال أيام , بمجرد غلق حدودها أما حركة الارهابيين و أموالهم و سلاحهم .
ككردي عليك أن تعي لماذا غيرت تركيا وجهة الحراك المفترضة نحو العاصمة دمشق الى مناطق الكرد تحديداً فسلطت داعش على منطقة سره كانيه ثم على كوباني ثم دفعتهم نحو منبج جرابلس و حتى اعزاز لتقطيع و فصل المناطق الكردية عن بعضها ثم جاءت غزوة عفرين و بعدها غزو سره كانية و تل أبيض لفصل كوباني عن الجزيرة… عليك أن تدرك ما هي حقيقة المنطقة الامنة التركية و استماتتها من اجل الحصول على موافقة أمريكية لفصل القامشلي عن ديريك و روز- افا عن إقليم كردستان فالحرب على حفتانين و دهوك وكاره و تهديد شنكال ليس سوى لقطع الطريق بين هولير و القامشلي , عليك ان تتوقع بأنها لا تتردد للحظة عن فصل هولير عن السليمانية و السليمانية عن كركوك .
عليك ان تدرك أن التحالف الحاكم في تركيا يسعى لجعل الشمال السوري جنوبا لتركيا و يستميت لاستبدال الأصفر الكردي بالأحمر و الشمس الكردية بهلال محاط بلون الدم .

الإعلان