المرصد الكردي ــــــــــــــــ
بقلم : د. ابراهيم الشدادي ــــــــــــــــ

ربما القراء والمهتمين سئموا من الابحاث والمقالات التي تحمل في ثناياها تنبؤات زوال دولة اسرائيل وانحصار النفوذ الأمريكي وتقهقره واحيانا ذكروا تفكك الولايات المتحدة ايضا , والكثير من التنبؤات ذكرت انهيار الحضارة الاوربية ذات النزعة العلمانية المفترسة والمجردة من المحتوى الاخلاقي , برغم التغني الاوربي المضني بمسألة حقوق الانسان وحق الامم في تقرير مصيرها وحرية الانتماء والاعتقاد ! بلا ريب جميع التنبؤات لم تكن تعتمد على الادلة العقلية او المنطقية مبنية على معطيات واقعية او احداث مادية محسوسة, طالما لجؤا اصحابها الى إيحاءات النصوص المقدسة, ولا سيما الايات القرآنية والاحادبت والأقوال المأثورة , ودعمها بقصص من التوراة والانجيل , وتفسيرها على ضوء الاماني والغرائز والدوافع لاصحابها , ما عدا مسالة نهاية الحضارة الاوربية يمكننا اتخاذها كحتمية تاريخية تتوافق مع مبادئ علم الاجتماع لابن خلدون. ولا سيما تلك الحضارة بلغت ذروة الازدهار والتطور , وباتت تعاني من الشيخوخة الشديدة. كاولى علامات الانهيار فضلا على فشلها الاخلاقي بموجب فلسفة ديكارت لانها استندت على المادية البحتة التي صادرت جانب الانساني ونسفت المحتوى الاخلاقي لها , , وبلا شك هنالك ثمة رؤية اخرى ولكنها نابعة من عواطف البسطاء والبؤساء مفادها : الحضارة الاوربية تمثل الجانب الانساني والاخلاقي الابهى لمنظومات الحكم على وجه الارض في المرحلة الراهنة وفي طريقها صوب المزيد من الازدهار , ويستدلون على ذلك ويختزلونها بمسألة استقبال الاوربي لاعداد هائلة من المهاجرين والفارين من النزاعات والاضطهاد العرقي والمذهبي والديني الذين فروا من ( سوريا العراق افغانستان افريقيا …الخ ) على مراى ومسمع الأنظمة القومية والاسلامية الحاكمة والقابعة على ثروات هائلة و تدعي الايمان بالعقائد السماوية السامية والانسانية السمحاء , ولم تحرك ساكنا حيال معاناتهم وماسييهم ! ومما لا شك فيه اتفق مع هذه الرؤية في الوهلة الاولى , ولكن بعد الاستقراء والتمحيص في تبعات الهجرة ومبادئ التوطين الاوربي نجد تلك الانسانية الاوربية الفائقة مشروطة بالانسلاخ من الانتماء الاصيل والمضي على الانتاج والاندماج والتفاعل الايجابي مع مقومات الحضارية والسيادية لتلك البلدان , الامر الذي وضع الانسانية الاوربية في مساحة الهامش الفاصل بين الشك واليقين لدى المهاجر , ولم تسكن ذاك الاستنتاح العاطفي في ضمير و وجدان الانسان الفار من وطنه وانتمائه تحت الضغوطات. اقلها الجوع وقلة الامان بيد ان الاوربي لم ياخذ هذا الامر في الحسبان , وبالتالي لم يطلق المهاجر انتمائه وعقائده طلاقا بائنا كما يعتقد منظرو الحضارة الاوربية عكس ذلك , فالاستنباط الاوربي العلماني في لحظة الغرور بانسانيته اهمل ارسنقراطية البيولوجيا والسيكلوجيا المتحكمة بمفاصل العواطف والتوجهات والميول للكائن البشري , وبناءا على هذا الاهمال مضى قدما على اعتبار ذاكرة الفرد المهاجر بكينونته الانسانية مجرد قرص صلب يمكنه (فرمتته) من الفلسفات التربوية المسبقة وعقائده واستنساخ برامج جديدة ! كي يصبح فردا. مبتور الانتماء لكنه فعالا و منتجا ومندمجا يستميت بالدفاع عن الحضارة الاوربية على نحو متناقض مع الفطرة الانسانية , والانكى من ذلك هو التفسير الاعتباطي الفيلسوف العلماني الذي يرجح دوما مسالة الاخفاق في تحقيق الاهداف المرجوءة الى الخطأ البشري المحض , بينما الفيلسوف المؤمن بالمبادئ السماوية. يفسر الانتكاسات انه ارادة إلهية تصبو من ورائها القضاء على الحضارة الاوربية ونخرها من الداخل وتحطيمها واقامة نظام حكم بستمد طاقاته وقوانينه من الآلهة ! بيد ان النخبة الاوربية تتخذ من المبادئ السيكولوجية حجة في التقييم مما تربط عبثا بين مسالة ممارسة الفرد لكافة الموبقات المتناقضة مع المبادئ الدينية ظاهريا مع قضية الاضمحلال والانصهار في البوتقة العلمانية المادية والملحدة ولكن الحقيقة ان المسلم البيولوجي مهما انغمس في الموبقات لا يفقد قناعة ايمانية فحواها : ما الاوربي الضال الا خلقه الله سخرية واكتمالا لاحتياجات الفرد المولود حسب مزاج الميتافيزيقيا في بيئة مؤمنة بالعقيدة الاسلامية , والادهى من ذلك مهما ارتكب المسلم البيولوجي من جرائم واتى بالكبائر فعبارة ( سبحان الله وبحمده ) كفيلة على اعادته فردا مسلما نقيا محتسبا مغفور الذنب كيوم ولدته امه !! بالمناسبة هذه قناعة فقهية وليست عبارة إنشائية , وجميع الأديان على حد سواء في هذه القضية مع فارق الالفاظ والتعاويذ السجعية فائقة البلاغة ! وبعيدا عن الأحكام الغيبية والاتهامات الارتجالية هنالك ثمة حقيقة سيسولوجية مفادها 😦 الانتماء الدفين للفرد من شانه قيادة حاضنته البشرية الى ممارسة السيادة) لذلك ينتابنا نوبة يقين ان ما يذهب اليه الفقهاء وافراطهم في التفاؤل والتبشير بالانتصار الاسلام في معركة صراع الحضارات ليس عبثا او ضربا من الجنون ! نظرا لتوافر خصلة الانتماء الدفين لدى المسلمين البيولوجيين , وبالإضافة الى ذلك هنالك ثمة بديهيات لا يمكن تجاهلها في مضمار التكهن لنتائج معركة صراع الحضارات , مثل ايمان اغلب اتباع الأديان السماوية( الاسلام والمسيحية واليهودية ) بوجود ثمة قوى ميتافيزيقيا تتحكم او لها دور بارز ومؤثر على صيرورة الحياة على الكون , لذا فان الهفوات او الاخطاء التي يرتكبها السياسة الامريكية والأوربية مثلا ! فهي ليست نتاج خطا بشري او نتيجة ضعف المعلومات الاستخباراتية , بقدر ماهي نتاج هوامش تاثير القوى الميتافيزيقيا على مصير البشرية ,
سبيل المثال انسحاب الامريكي من افغانستان وعودة حركة طالبان الاسلامية الراديكالية الى سدة الحكم بعد عقدين من الانهيار والتقهقر , وليس هذا فحسب بل مع فارق اكتسابها القوة الفكرية والعسكرية اكثر من ذي قبل باضعاف مضاعفة ! ليس خطا بشري بموجب مفاهيم الأديان السماوية الثلاث انما ارادة إلهية محضة محفوفة بالعبر المتعلقة بالعدل والتوريث ونصرة المستضعف وثمرات الصبر والمرابطة ….الخ ,
, حيث ان حركة طالبان عسكريا استحوذت على ترسانة السلاح التي كدستها امريكا طيلة عقدين من الزمن في افغانستان ( بالمناسبة تفعل نفس الفعلة في شمال سوريا ايضا ) فضلا على نشوة الانتصار الايدولوجي لحركة طالبان و ما يرافق ذلك اتساع مدى تأثيره.الفكري والعاطفي على كافة المسلمين حول العالم بغض النظر هل المسلم ( راديكالي او ليبرالي او ملحد ! ) ففي لحظة الانتصار الجميع يتمسك بالعقيدة المنتصرة بغض النظر عن فحواها الايماني ومدى التزام الفرد بمبادئها وطقوسها ,
اما لو رضخنا للافتراضات المنطقية في علم السياسة نجدها رهانات خاسرة سلفا مهما اجتهدت السياسة الامريكية على التبرير والتسويق لمبادى نظرية الصدمة التي مفادها : القدرة الامريكية على برمجة الايدولوجيات والتكتلات البشرية تبعا لمصالحها وما هذا الادعاء الا مجرد غرور امريكي وأوهام العاجز وباتت ظلالها تنقشع عن أدمغة المستضعفين حول العالم ,
وإذا كانت امريكا تراهن على الصراع( السني الشيعي ) اسلاميا , فان هذا الامر لم ولن يحدث وقد سبقت امريكا على انتهاج هذا الرهان ما يسمى بالتحالف العربي بقيادة السعودية التي سمحت لحركة انصار الله( الحوثة) بالانتشار والسيطرة على الجغرافية اليمنية والوصول الى عواصم المحافظات واحتلالها والاستحواذ على مقدرات الدولة دون اطلاق طلقة رصاص واحدة. والتحالف العربي يأخذه الاماني على امل نشوب صراع مذهبي على جهتي المعادلة الأيديولوجية اليمنية التي يمثل (الحوثة) شق الشيعي المتطرف بينما حركة الاصلاح ( جماعة اخوان المسلمين) شق السني الراديكالي , ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل ! وعلى ضوء هذا المثال يصبح الرهان الامريكي ساذجا و خاسرا , ففي احسن الاحوال ربما الضوضاء والضجيج الإعلامي المرافق لانتصار حركة طالبان تجبر ايران على فتح ممر مهمل على خارطتها بمحض إرادتها وبموجب تفاهمات غير معلنة كي تسمح بوصول طالبان الى العراق وسوريا ومنطقة الخليج حيث منابع الطاقة وشهوة التناقض الفقهي والصراع المضمر على الاماكن المقدسة وما يحاك حولها من اساطير وتنبؤات في ادارة هذه الاماكن بنظام حكم إسلامي محض , وحتى الحاضنة الشعبية بعد قرون من اجترارها الاماني باتت مؤهلة ومستعدة على استقبال مثل هذه الانظمة للحكم تحت مسميات وجماعات متعددة متناحرة حينا ومتوائمة طورا ( داعش القاعدة انصار الاسلام اخوان المسلمين ….الخ ) , على امل ان يطبق هؤلاء الفئات ما حشاه الفقه الاسلامي في ادمغتهم ويتوارثون الحلم جيلا عن جيل !
الامر الذي سوف يجعل من دولة اسرائيل مجرد كيان انطوائي غريب مطل على حافة المرجل الجغرافي الاخذ بالغليان والفوران من الفوضى والفقر والجوع والنزاعات والدماء والفتاوى الدينية المحرضة على انهاء اسرائيل كعقيدة ضالة وشعب وليس كدولة فحسب , وحينئذ القوة العسكرية لدولة اسرائيل لن تكون كافية لردع شهوة الاسلامية الراديكالية الجامحة صوب القضاء المقدس على اليهود كشعب , ولا فزاعة الدعم الامريكي سوف تثني عزيمة البركان البشري الاسلامي المفخخ بالفتاوى الجهاد المقدس !
وفي هذه الجزئية بالذات توجد ثمة حقيقتين أولها دينية عقائدية متوارثة في العقيدتين الاسلامية واليهودية معا والمتمثلة في معركة (هرمجدون) الفاصلة , والحري ذكره ان الايمان بهده المعركة له بالغ التاثير على الطرفين حيث ان المسلم مؤمن بانه مؤازر بدعم ومباركة إلهية ! بينما اليهودي مؤمن بان الله سوف يقشع عنه كافة الحواجز والسواتر النجاة ماعدا شجرة الغرقد !!
و ربما الملحد هو المتفائل الوحيد في هذه التراجيديا الحتمية , ولكن تبقى الحقيقة الثانية تدحض هذا التفاؤل ويحرض العقل على التأمل ! وهي حقيقة علمية لا جدال فيها ولا مجال للعاطفة على تكذيبها او دحضها كالحقائق الغيبية , الامر الذي يجعل المؤمن والملحد على حد سواء مفادها : دلالات المناخية والفلكية يرجح بحدوث ثمة اختلال فيزيائي للكون متمثل بمسألة تغيرات الاقطاب المغناطيسية للكرة الارضية قد تحدث خلال اي لحظة زمنية لاحقا, الذي من شانه تعطيل كافة وسائل العنف الفتاكة والاسلحة المتطورة في حوزة اسرائيل وأمريكا واوربا !!
, , وفضلا على ذلك خلال تلك الفترة سوف تعاني الحضارة الاوربية العديد من المشاكل سواء المتعلقة بالتدفق البشري للمهاجرين او تردي الاوضاع الاقنصادية نتيجة فقدانها للعديد من الاسواق في شرق اسيا والمشرق الاسلامي بما في ذلك سوق السلاح وادوات العنف والدمار, فالصين كقوة ناشئة حليف المحتمل للصحوة الاسلامية التي يقودها حركة طالبان الأفغانية !
. عموما جملة هذه الاحداث تضع دولة اسرائيل امام الخيار. اليتيم اما الصراع مع الفوضى او التحالف مع الفوضى !
ومن حيث المنطق والارادة الالهية اجد ان التحالف اقرب للعقل من الصراع , بناءا على الذاكرة اليهودية المثقلة بمشاهد الابادة والقمع والبطش بحق اليهود قي أوربا سابقا ,و سوف يضاف الى ذلك التحامل والحقد اليهودي اتجاه أوربا الحديثة نتيجة نزعتها المادية الى درجة الانتحار في سبيل تحقيق او الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والتغاضي عن المخاطر التي تحاصر أمنها القومي لا بل تضع وجود الاوربي على المحك في معركة صراع الحضارات الازلية بالمشيئة الالهية وليست الوضعية !
واذا ما تضافرت الظروف السيسولوجية الطارئة وتوافقت مع الاختلالات الفلكية بمشيئة الميتافيزيقيا سرعان ما تجعل ابواب الحضارة الاوربية مشرعة على مصراعيها امام التمدد الايدولوجي المتمثل بالاسلام المتناغم مع الحقد اليهود التاريخي على أوربا !
وفي هذه الحيثية يمتلك الطرفين المتناقضين المتحالفين كافة اسباب الانتصار حيث أحدهم متوغل في تفاصيل السيادة الاوربية والاخر يمتلك حاضنة بشرية محتقنة بخطاب الكراهية المقدس والهامش الاكبر في امانيه يتمثل بالدعوة الى احتلال أوربا واعلان الخلافة الاسلامية وجعل الاوربيين اصحاب الحضارة الضالة عبيدا وايماء !!